قازان .. لؤلؤة اسلامية روسية

قازان .. لؤلؤة اسلامية روسية


تعتبر قازان مهد الاسلام في روسيا ، كما انها المدينة التي يرتبط بها
ارتباطا وثيقا تاريخ نشوء الدولة الروسية والعاصمة الثالثة لروسيا
الاتحادية بعد موسكو وسانكت-بطرسبورغ.
وهناك عدة روايات واساطير حول اصل تسمية قازان:
• القدر الفوارة. عندما اختار البلغار القدامى(اسلاف تتار الفولغا
الحاليين) مكانا لبناء مدينتهم طلبوا المشورة من الساحر. فأمر بان تبنى
المدينة في المكان الذي يغلي فيه الماء بدون نار في قدر دفنت في الارض.
وبعد بحث طويل عثر على مثل هذا المكان بالقرب من بحيرة كابان. ومن هنا جاءت
تسمية قازان( تعني كلمة "قازان" القدر باللغة البلغارية القديمة وكذلك
باللغة التتارية الحديثة).
• القدر الذهبية. قرر نجل الخان البلغاري عبدالله ان يقيم مربضا على ضفة
نهر غير معروف. فارسل خادمه لجلب الماء بواسطة قدر صنع من الذهب . وبما ان
ضفة النهر كانت شديدة الانحدار ولم يكن اخذ الماء مريحا فقد سقطت القدر من
يده في الماء. وبعد هذا الحادث اطلقت على النهر وعلى المدينة القائمة عنده
تسمية "قازان" اي القدر.


• وثمة روايات أخرى يطرحها اللغويون وعلماء الاثنوغرافيا مفادها ان التسمية
مأخوذة من اسم حسن الامير البلغاري الذي شيد المدينة. اما ابسط الروايات
فتقول ان اسم المدينة مأخوذ من اسم نهر قازانكا الذي تقع المدينة على
ضفافه.



وبالاضافة الى الخلافات حول اصل تسمية المدينة ثمة روايات كثيرة عن تاريخ
تأسيسها. وطبقا للرواية الرسمية المعتمدة في الوقت الحاضر فقد تأسست
المدينة قبل ما لا يقل عن 1000 عام مضت. وتؤخذ كحجة لذكر هذا التاريخ قطعة
النقود التشيكية التي عثر عليها في سياق الحفريات في منطقة كرملين قازان
وصكت كما يعتقد في عام 929 – 930 وكذلك اللقيات الاخرى التي تؤكد ذلك بقدر
اقل وضوحا. وقد احتفل باليوبيل الالفي لقازان رسميا في عام 2005.


لقد كانت قازان في القرنين الثالث عشر والرابع عشر مركزا تجاريا وسياسيا
هاما ضمن دولة الاورطة الذهبية ( كانت هذه الدولة في القرون الوسطى ضمن
الامبراطورية المغولية وأسسها احفاد جنكيزخان) ، واصبحت منذ عام 1438 عاصمة
امارة خان قازان، وكانت تثير دهشة اهل ذلك الزمان لمتانة اسوارها وفخامة
قصورها ومساجدها.


بدأ تشييد قازان شأنها شان كثير من المدن من بناء الكرملين.وفي القرن
الثاني عشر شيد البناة البلغار في مكان القلعة الخشبية قلعة حجرية قوية
أخرى اصغر مساحة فوق تلة عالية.وقد أعجب القيصر ايفان الرهيب نفسه لدى رؤية
"المدينة الحصن".

وفي عام 1552 حين اقتحمت قواته قازان وجرى ضم امارة خان قازان الى روسيا ،
احترقت المباني ومنشآت القلعة جزئيا، واستخدم بعضها لاحقا في بناء المرافق
الجديدة للمدينة.
لذا فان الكرملين الذي بقي حتى زماننا هو من ابداع عمال البناء في بسكوف
والمعماريين الروس. وقد حافظوا على فكرة المعماريين البلغار القدامى في
مجال بناء المدن . وكرر الحصن الروسي الفكرة وتم تطويرها لاحقا ولكن بأشكال
جديدة.
وفي فترة القرنين السابع عشر والثامن عشر شهدت قازان تغييرات كبيرة وكانت
في خضم الاضطرابات الفلاحية والتهمت الحرائق الكبيرة مرارا احياءا وشوارع
بأكملها. لكن في نهاية القرن السابع عشر اعادت قازان بناء ما لحقه الدمار
كما تحولت الى مركز عسكري واداري كبير في روسيا ، وتولت منذ عام 1708 رئاسة
محافظة قازان وكانت على مدى فترة طويلة المدينة الثانية في روسيا من حيث
الاهمية وبوابتها نحو الشرق.


وتم بناء المدينة ولاسيما وسطها من الحجر ، واضحت شوارعها مستقيمة ، ونشأت
ميادين جديدة ، وشيدت احياء كاملة. وفي عام 1759 افتتحت في المدينة اول
جمنازيا(مدرسة ثانوية كلاسيكية) في اقاليم روسيا ، وقد تخرج منها العديد من
مشاهير الرجال منهم غافرييل ديرجافين والعالم الرياضي نيقولاي
لوباتشيفسكي.


وفي النصف الاول من القرن التاسع عشر تحولت المدينة نهائيا الى المركز
الصناعي والتجاري والثقافي لأقاليم الفولغا وروسيا.
وفي عام 1804 افتتحت في قازان الجامعة التي بقيت على مدى فترة طويلة في
طليعة جامعات شرق روسيا. وعمل فيها خلال فترات مختلفة علماء معروفون في
العالم. ويعرف ايضا ان فلاديمير لينين درس فيها ايضا.
في عام 1913 كانت توجد في المدينة 67 كنيسة ارثوذكسية و16 مسجدا و143 مؤسسة
تعليمية.
وبعد ثورة عام 1917 تغيرت الحياة في قازان كما في جميع انحاء البلاد. واضحت
قازان في مركز الحرب الاهلية وسرق من بنك في هذه المدينة الاحتياطي الذهبي
للأمبراطورية الروسية.
وفي الوقت الحاضر اصبحت قازان عاصمة لجمهورية تتارستان ضمن الاتحاد الروسي.
وفي 31 مايو/ايار عام 2008 اعلنت قازان في بروكسل بصفتها عاصمة الالعاب
الجامعية الصيفية العالمية لعام 2013 . وقازان مدينة جميلة وحديثة ، كما
انها احتفظت في الوقت نفسه برونقها التاريخي.
وفي ايامنا يمكن ان يمتع السياح النظر بكرملين قازان بعد اعادة اعماره وان
يزوروا الاحياء التتارية القديمة وان يستمتعوا بجمال الكنائس والمساجد التي
شيد بعضها في القرن الثامن عشر برخصة من الامبراطورة يكاترينا الثانية
شخصيا.
ويأتي في طليعتها مسجد مرجاني الذي شيد برخصة يكاترينا الثانية شخصيا في
فترة اعوام 1766 – 1770 بتبرعات المؤمنين. ويحمل المسجد اسم شهاب الدين
مرجاني الذي كان المرشد الروحي للهيئة الاسلامية فيه منذ مارس/آذار عام
1850. وكتب مرجاني العديد من الاعمال العلمية ومنها كتابه الشهير " مستفاد
الاخبار". وبقي رئيسا للهيئة الاسلامية فيه حتى وفاته في عام 1889.
المسجد الجامع قول شريف
يعتبر المسجد الجامع قول شريف المسجد الرئيسي في تتارستان وثاني اكبر مسجد
في روسيا واوروبا. وقد ادرج في كشف التراث العالمي لليونسكو.
بدأ بناء المسجد في عام 1996 باعتباره استعادة للمسجد الاسطوري العديد
المنائر في عاصمة امارة خان قازان والذي لحقه الدمار في عام 1552 حين
اقتحمت قوات ايفان الرهيب مدينة قازان. وافتتح المسجد في عام 2005 بمناسبة
اليوبيل الالفي للمدينة.
ويقع مسجد قول شريف في القسم الغربي من كرملين قازان. واطلقت عليه هذه
التسمية تكريما للبطل القومي التتاري قول – شريف.
ويتسع المسجد في داخله لحوالى الف وخمسائة مصل بينما يمكن ان تستوعب الساحة
خارجه حوالي 10 الآف شخص آخر من المصلين. ويبلغ ارتفاع كل واحد من المنائر
الرئيسية الاربع 57 مترا. ويوجد فيه اجمالا 8 منائر.
وقد زينت قبة المسجد بزخارف تشبه " قبعة قازان" وحسب احدى الروايات فانها
تشبه تاج خانات قازان الذي نقل الى موسكو بعد سقوط المدينة، ويعرض التاج
الآن في متحف الاسلحة في الكرملين ( تقول احدى الروايات ان الصناع الشرقيين
صنعوه - ربما في قازان وباسلوبهم التقليدي – بأمر من ايفان الرهيب بعد
الاستيلاء على قازان بغية تعزيز لقب قيصر قازان).
وتم جلب الجرانيت والمرمر من الاورال ، اما الزخارف الداخلية والسجاجيد فهي
هدية من الحكومة الايرانية ، وصنعت الثريا البالغ قطرها خمسة امتار ووزنها
حوالي الطنين في تشيكيا، علما ان النوافذ ذات الزجاج الملون والزخارف
الجبسية والموزاييك والزخارف المذهبة تكسب المسجد المزيد من الفخامة.
وكان مسجد قول شريف قبل افتتاح مسجد " قلب الشيشان" في 17 اكتوبر/تشرين
الاول عام 2008 في غروزني بجمهورية الشيشان يعتبر اكبر واعلى مسجد في روسيا
واوروبا . اما في الوقت الحاضر فيعتبر ثاني اكبر مسجد في اوروبا وروسيا.
برج سيومبيكي
ان برج سيومبيكي هو برج المراقبة في كرملين قازان.ولربما ان التسمية
الاصلية للبرج هي " مسجد الخان".ويعتبر برج سيومبيكي الرمز المعماري
لقازان، وينسب الى الابراج " المائلة" مثل برج بيزا في ايطاليا حيث يلاحظ
ميلانه في الاتجاه الشمالي – الشرقي. واليوم تبلغ درجة ميلان القسم العلوي
فيه 98ر1 متر. اما تاريخ انشاء البرج فهو ما زال موضع جدل. وثمة اعتقاد بان
البرج يعتبر نموذجا لعمارة القلاع في عهد بطرس الاكبر او يكاترينا
الثانية. لكن وجهة النظر هذه قد تدحض اخذا بنظر الاعتبار الشكل غير المألوف
للبرج وكذلك عدم وجود مثيل له في اي مكان بروسيا.
وهناك رواية أخرى تقول ان البرج شيد في الفترة المتأخرة من حكم الخانات
وتعتبر الاثر الوحيد المتبقي من آثار عمارة القلاع التتارية في قازان.
وتوجد عدة اساطير حول اصل البرج تبرر تسميته الشعبية لكنها خالية من الحجج
العلمية.
ويرد في احدها ان الملكة سيومبيكي شيدت البرج تخليدا لذكرى زوجها صفا-غيري
المتوفي في عام 1549 . وتقول اسطورة اخرى ان البرج شيد بأمر من ايفان
الرهيب خلال سبعة ايام بعد الاستيلاء على قازان في عام 1552 بطلب من الملكة
سيومبيكي. وحسب ما جاء في الاسطورة فان القيصر الروسي اراد ان يتزوجها
لكنها اعطت موافقتها بشرط ان يشيد البرج. بيد انها صعدت الى اعلى البرج بعد
اتمام تشييده وألقت بنفسها منه. ونشير الى ان جميع هذه الاساطير تعتبر
بعيدة عن الواقع بالرغم من انها تحتوي على بعض الوقائع التاريخية.